هل من الطبيعي أن يحصل الطلاب ـ سواء في الثانوية العامة أو غيرها ـ علي100% في الامتحان؟ لا طبعا, لأن هذا ضد طبيعة فكرة الامتحانات ذاتها. إن المفروض في الامتحان ـ أي امتحان ـ أن يقيس قدرات مختلفة, لعقول مختلفة, ومن ثم فإن هناك من سيحصل علي90%, ومن سيحصل علي80%, أو70%.. وهكذا, وبالتالي فإن ما نشهده الان عندنا في كل امتحان هو أمر غريب.
وبطبيعة الحال فإنه لا يمكن تحميل الطلاب أو أولياء الأمور المساكين مسئولية هذ الذي يجري في امتحانات الثانوية العامة. فهذه الأم التي تبكي, أو هذا الأب الذي يحمل هم الدنيا فوق رأسه لأن له ابنا أو بنتا تخوض ملحمة الثانوية العامة.. كلاهما مظلوم مظلوم.. ناهيك عن الظلم الذي يقع تحته صاحب الشأن, وهو الطالب نفسه. ومن المسئول إذن؟ إنه نظامنا التعليمي الحالي بكل تأكيد. إنه نظام يطالب التلميذ بالحصول علي95% وما فوقها, وإلا ما التحق الطالب بكلية من تلك التي يسمونها كليات القمة! وهو نظام يجعل المجموع هو كلمة السر في الدخول إلي جنة الكليات المحترمة, إذ بدونه لن يحصل التلميذ علي شيء رغم المعاناة والتعب والسهر والتكاليف الباهظة علي الدروس الخصوصية! ثم إنه أيضا نظام يقوم علي الحفظ والتلقين وليس علي تدريب التلاميذ علي التفكير السليم المستقل لتكوين وجهة نظر خاصة في الحياة. وبمقدار قدرتك علي الحفظ ستقترب أو تبتعد عن جنة الجامعة! وكلنا نعرف ماذا يحدث عندما نلتحق بالجامعة.. مئات الآلاف يتخرجون فيها كل عام فماذا يجري لهم؟ إنهم يكتشفون بعد هذا العناء كله أنهم لم يتعلموا شيئا, وأن المهارات المطلوبة لسوق
العمل ليست متوافرة فيهم فيضطرون إلي خوض تجارب أخري للتدريب والتعلم تكلفهم المزيد من الجهد والمال والعمر.. ولماذا هذا العذاب كله؟ لأن القائمين علي التعليم عندنا يفتقرون إلي الجرأة والرغبة في المواجهة.
وهنا قد يسارع هؤلاء المسئولون عن التعليم إلي الرد علي هذا الانتقاد بأن نظام التعليم الحالي تم تكوينه عبر عشرات السنين, وترتبت عليه تشابكات وتعقيدات كثيرة لا تقتصر علي العملية التعليمية وحدها بل امتدت إلي كل شيء في حياة المواطن, ومن ثم فإن التغيير الجذري الشامل قد يؤدي إلي كوارث ونتائج غير محسوبة. ونحن بدورنا نقول لهم: معكم بعض الحق.. وليس كل الحق. إن التغيير الهاديء المدروس مطلوب لكن المهم أن نبدأ. إننا نسمع نغمة الرغبة في تغيير أسس العملية التعليمية منذ دهور ومع ذلك لا شيء يتغير, وإذا تغير فإنما نحو مزيد من التعقيد وتصعيب الأمور علي الناس..
وما المطلوب إذن؟ مطلوب بدء حوار مجتمعي فوري وعاجل لإيجاد استراتيجية تعليمية جديدة للمجتمع المصري تشارك فيه كل فعاليات المجتمع من جمعيات مجتمع مدني, ووزارات, ومحافظات, وإعلام, وصحافة, ورجال دين, ومفكرين, ومثقفين, وسياسيين, وأحزاب ونقابات.. وغيرها, علي أن يوضع جدول زمني للانتهاء من الحوار, ليبدأ بعده وضع ما تم الاتفاق عليه موضع التنفيذ. ولعل من الاقتراحات المقبولة في هذا الشأن أن يتم ربط الاستراتيجية السكانية الجديدة بالاستراتيجية التعليمية الجديدة بحيث تسيران معا في خط واحد.
إننا في مصر يجب أن نتحكم في الزيادة السكانية التي يشهدها المجتمع, كما يجب أن نعيد تعليم الناس بكفاءة أعلي. وهاتان المهمتان لن نبالغ إذا قلنا إنهما مسألتا حياة أو موت. يجب أن يكون هذا هو مشروعنا القومي الأهم: أن نقلل الزيادة السكانية, وأن نعلم أبناءنا بشكل عصري وصحيح. فهل نبدأ من اليوم.. أم سنظل إلي الأبد نري الدموع في عيون الأمهات اللاتي لهن أولاد وبنات في الثانوية العامة؟